"الحمّى القلاعية" في البقاع والجنوب ولا لقاحات والغش باللحوم المجلّدة ينتشر بكثافة

"الحمّى القلاعية" في البقاع والجنوب ولا لقاحات والغش باللحوم المجلّدة ينتشر بكثافة

في ظلّ موجة قلق تطال ثقة المستهلك بصحة غذائه، تطفو على السطح أزمتان متشابكتان تهدّدان قطاع اللحوم في لبنان من جهتين: الأولى من داخل الحظائر، حيث ينتشر وباء الحمّى القلاعية بسرعة، والثانية من داخل أسواق الجزارة، حيث تتفشّى ظاهرة غشّ خطيرة تخلط بين اللحوم الطازجة والمجمّدة. بين هذين الخطرين، تُطرح أسئلة كبيرة حول سلامة ما يصل إلى موائد اللبنانيين.

يشكّل سهل البقاع، بقراه المتناثرة وحقوله الخضراء، القلب النابض لتربية المواشي في لبنان. هنا، يعتمد آلاف المزارعين على قطعانهم في تأمين لقمة عيشهم. ولكن اليوم، يخيّم شبح الفزع على هذه المنطقة، حيث ينتشر فيروس الحمى القلاعية المتحوّر بسرعة كالنار في الهشيم.

يُعرِّف وزير الزراعة نزار هاني أن البقاع الغربي هو بؤرة الوباء الرئيسية، بينما تظهر إصابات "خفيفة" في الشمال. لكن نقيب الأطباء البيطريين، الدكتور إيهاب شعبان، يقدم صورة أكثر قتامة "البقاع بأكمله مُتضرر، والوضع خطير جدًا ومقلق"، ولفت إلى أن "هناك اصابات ايضًا في الجنوب اللبناني ولكنها أقل حدّة"، مقارنة بالبقاع. 

يرجّح وزير الزراعة في حديث لـ"كافيين دوت برس"، أن يكون مصدر الفيروس هو التهريب من سوريا، مما يسلط الضوء على ضعف الرقابة على الحدود البرية في ظل الأزمات، داعياً القوى الأمنية إلى التشدّد في ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب.

كما وأعلن الوزير، وقف استيراد المواشي الحيّة من الدول التي سُجِّلت فيها عترة SAT1 كإجراء احترازي للحدّ من انتشار المرض، بالاضافة إلى تعزيز الرقابة على أسعار الحليب واللحوم وتشديد الإجراءات بحق المعامل التي تمارس الغش في إنتاج مشتقات الحليب.

وفي شأن آلية المواجهة التي وضعتها وزارة الزراعة بالتنسيق مع أطباء معنيين بالملف، أعلن الدكتور إيهاب شعبان لـ"كافيين دوت برس"، أنه "تم تشكيل خلية أزمة تضم وزارة الزراعة والنقابة والمربين والمستوردين، وتتركز الإجراءات على الحجر البيطري لمنع الاستيراد من البلدان المصابة، وعزل المزارع المصابة، ومنع تنقل الحيوانات بين المناطق"، هذا ما أكده الوزير هاني الذي كشف أن "هناك 53 طبيباً بيطرياً يقومون بمتابعة الملف مع ادارة الثروة الحيوانية".

رغم هذه الإجراءات، يُقرّ شعبان بأن "لقاحًا لم يصل بعد، وهذه مشكلة"، وذكر أنهم تلقوا وعدًا بتأمين لقاح من شركة روسية خلال أسبوعين، كما تم السماح لشركة أرجنتينية جديدة، بعد موافقة وزارة الزراعة، بدخول اللقاح إلى السوق المحلي"، معرباً عن أمله بأنه "إذا وصل اللقاح، بإمكاننا أن نسيطر على الأزمة".

وحول دور نقابة البيطريين، أوضح شعبان أن مهمتها في هذه الأزمة هي مساعدة لوجستية للوزارة وللمزارعين، جمع وتحليل المعطيات الميدانية من الأطباء وتنسيقها مع المعلومات الرسمية. وشدّد على أن العمل الأساسي هو في وزارة الزراعة.

السوق الموازي.. غزو اللحوم المجمّدة 

على الجانب الآخر، يواجه المستهلك هاجسًا مختلفًا يتعلّق بنوعية اللحوم في الأسواق. هنا، يُطلق وزير الزراعة تطمينات قوية بخصوص سلامة اللحوم المستوردة، خاصة من الهند، مؤكداً أن لا يوجد أي مخاطر على نوعيتها، ويوضح أن جميع الشحنات تخضع للفحوصات وتحمل الشهادات الصحية، وأن الهند بلد زراعي ضخم ولحومها مراقبة ولديها كل المواصفات والشروط.

بالمقابل، تُطلق جهات أخرى صافرات إنذار عالية من ظاهرة واسعة لخلط اللحوم المثلجة بالطازجة وبيعها للمواطن دون تمييز. يصف رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو لـ"كافيين دوت برس"، هذه الممارسة بـ"الغش الصريح"، ويرجع جذرها إلى غياب الرقابة الفعّالة والفارق السعري الهائل الذي قد يصل إلى 200 في المئة، حيث يباع الكيلو المجمد بحوالي 4 دولارات مقابل 12 دولاراً للطازج. ويحذّر من عجز المستهلك التام عن التمييز. ويطرح برو حلاً جذريًا "الفصل الكامل بين أماكن بيع النوعين، مع دعوة الجهات الرقابية لمداهمات مفاجئة".

التفاصيل الأكثر إثارة للقلق يقدمها أمين سر نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية ماجد عيد لـ"كافيين دوت برس"، الذي يؤكّد أن الظاهرة خرجت من نطاق محدود لتصبح واسعة النطاق، كاشفاً عن الآلية الخادعة: "يُعلّق جزء من الذبيحة الطازجة كواجهة، بينما تُخزن كميات كبيرة من اللحم المجمد في البرادات، ليُقطع للزبون من الأخير مع إيحاء بأنه طازج".

ويستند عيد إلى أرقام صارخة: تراجع استيراد اللحوم الحيّة قد يصل إلى 80 في المئة، مقابل غلبة اللحوم المجمّدة المستوردة، مما يعني أن اللحم المثلّج هو الأساسي في السوق، محذراً من تهديد صحي مباشر، لأن هذا اللحم يتمّ تذويبه عدة مرات عند التخزين والبيع غير السليم. لكنه يعترف بأن دور النقابة جزئي ومحدود جدًا ويقتصر على التوعية، منوهًا إلى رفض سابق لاقتراح منح النقابات صلاحيات رقابيّة فعليّة كما هو الحال في دول أخرى.

بين أزمة صحية حيوانية طارئة في المزارع، وأزمة ثقة مزمنة في الأسواق، وبين عمل الوزارة على احتواء الوباء ، والاتهامات بغياب الرقابة الفعّالة التي تسمح بتفشي غشٍّ يخدع المستهلك ويهدد صحته،يُترك المواطن، وهو الحلقة الأضعف، في حيرة من تطمينات رسمية عن سلامة الاستيراد، وتحذيرات ميدانية عن غشٍ يمسّ صحته مباشرة. ما يتطلب ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة من الجهات المعنية لضمان سلامة المواطنين. 

لحوم طازجة للغش.PNG 503.42 KB

اقرأ المزيد من كتابات ربيع يونس