للمرّة الأولى في البقاع شتورة تتصدر الاحتفالات الميلاديّة

للمرّة الأولى في البقاع شتورة  تتصدر الاحتفالات الميلاديّة

قبل عام فقط، كان المرور في بلدة شتورة البقاعيّة أشبه بعبور عابر لا يعلّق في الذاكرة سوى مشاهد الإهمال، والفوضى، وغياب الملامح الواضحة. أمّا اليوم، فقد تبدّلت الصورة على نحو لافت، إلى درجة يصعب معها تصديق أنّ المكان ذاته كان يومًا أسير التراجع والجمود. فمنذ الانتخابات البلدية الأخيرة، دخلت شتورة مسارًا مختلفًا، قوامه التنظيم وإعادة الاعتبار للنهج العام، في تحوّل لم يقتصر على تحسين الشوارع أو الواجهات، إنّما مسّ الروح العامة للبلدة، وهويتها، ودورها في محيطها البقاعي. 
 وفي موسم اعتادت فيه مدينة زحلة أن تتصدّر المشهد الميلادي وتستحوذ على الأضواء، حضرت شتورة هذا العام لتفرض نفسها  معلنةً حضورها بثقة دون ضجيج، ولكن بفعل مدروس ورسالة واضحة.
 أبناء البلدة الذين لمسوا التغيير التدريجي خلال الأشهر الماضية، انتظروا اختبار الأعياد كاستحقاق حقيقيّ لنهج المجلس البلدي الجديد. فشتورة، التي لم تعرف يومًا قريّة ميلاديّة أو احتفالات جامعة بهذا الحجم، كانت قد بدأت في السنوات السابقة تفقد شيئًا فشيئًا ملامحها وهويتها الثقافيّة والاجتماعيّة، وسط غياب المبادرات القادرة على جمع الأهالي حول مساحة فرح مشتركة. غير أنّ ما حصل هذا الموسم تجاوز التوقّعات. إذ بدا واضحًا أنّ ما يجري ليس مجرّد تزيين عابر أو حدث موسمي، إنّما محاولة جادّة لإعادة تثبيت الجذور، وإحياء الذاكرة الجماعيّة، وإعادة رسم صورة البلدة واتجاهها المستقبلي، بما يُعيد وصل ما انقطع بين المكان وأهله.

رئيس بلدية شتورة، ميشال مطران، يؤكّد لـ"كافيين دوت برس" أنّ هذه الخطوة لم تكن ارتجاليّة ولا وليدة لحظة، إنّما جاءت ضمن رؤية متكاملة تهدف إلى إعادة البلدة إلى الخريطة السياحيّة والاجتماعيّة، مشيراً إلى أنّ الأجواء الميلادية التي تشهدها هذا العام هي الأولى من نوعها من حيثُ الحجم والتنظيم، وأنّ البلدية اختارت أن ترفع السقف، واضعةً نفسها في موقع المنافسة الإيجابية على مستوى البقاع ولبنان ككل، من خلال برنامج متنوّع يجمع بين الترفيه، والثقافة، والبعد العائلي.
  ويُضيف" هناك برامج ترفيهيّة مخصّصة للكبار تضمّ حفلات وعروضاً يُشارك فيها فنانون، وكوميديون، وإعلاميون معروفون، فيما خُصّص للأطفال برامج متكاملة من الألعاب الميلاديّة، والعروض التفاعلية، في محاولة لصناعة تجربة شاملة لا تقتصر على فئة دون أخرى، على أن يُفتتح هذا الحدث في السابع عشر من كانون الأوّل". 

ولا تنفصل هذه الفاعليّات عن بعدها الاجتماعي والاقتصادي، إذ تمتدّ على مدى أسبوع كامل وبكلفة رمزيّة تكاد تكون في متناول الجميع، ما يُتيح لأكبر عدد ممكن من الزوار الدخول والمشاركة بحسب مطران، إذ أنّ الهدف يكمن بتحريك العجلة الاقتصاديّة، وتنشيط الحركة التجاريّة، إضافةً إلى استقطاب الزوار من القرى والمدن المجاورة، وتشير تقديرات البلديّة إلى أنّ هذه النشاطات ستسهم نوعاً ما في رفع الحركة التجارية المحليّة بنسبة 30 في المئة بما ينعكس إيجابًا على المؤسسات والمحال التجارية وأصحاب المصالح في المنطقة. ومن هنا، لم يعد الحديث عن شتورة كعاصمة محتملة للبقاع مجرّد شعار دعائي، إنّما طموحاً يُترجم بخطوات عمليّة ملموسة على الأرض.

هذا المشهد الجديد أعاد طرح سؤال التمويل، ولا سيّما أنّ البلدة لطالما برّرت غياب المشاريع السابقة بشحّ الإمكانات الماديّة، ومع إطلاق قرية ميلادية بهذه الضخامة، بدأ الأهالي يتساءلون عن مصادر التمويل، وما إذا كانت الأعباء قد وُضعت على كاهل أبناء شتورة. ويأتي الجواب حاسمًا، إذ يوضح رئيس البلدية أنّ الكلفة تجاوزت المئة ألف دولار، جرى تأمينها بالكامل من جهات داعمة خاصة، ومؤسسات تجارية، ورعاة، من دون تحميل المواطنين أي أعباء إضافية. ويعزو هذا النجاح إلى الثقة التي بناها المجلس البلدي خلال فترة قصيرة، وإلى الصدقية في التعاطي مع الناس، ما دفع الداعمين إلى الإيمان بالمشروع والمبادرة إلى المساهمة فيه.
 
 وفي هذا الإطار، وبحسب مطران فإنّ دور القطاع الخاص يبرز كشريك أساسي في عملية النهوض، إذ لم يكتف بالدعم المالي فحسب، إنّما ساهم في ترسيخ فكرة أنّ التنمية المحلية قادرة على النجاح حين تُدار بشفافية، ورؤية واضحة، وتعاون فعلي بين القطاعين العام والخاص. 
 ويختم رئيس البلدية حديثه بالقول "هذه القرية الميلاديّة لم تُنشأ لالتقاط الصور أو تسجيل حضور إعلامي عابر، بل جاءت كجزء من مسار تنموي طويل الأمد، يسعى إلى استثمار المناسبات في بناء هوية سياحية واجتماعية مستدامة، وإعادة الثقة بين البلدية والأهالي".
 وفي جولة في أروقة البلدة، يُؤكّد أحد الأهالي أنّ هذه المرة الأولى التي يعيش فيها سكان البلدة فرحة العيد كما ينبغي، مضيفاً أنّهم طوال السنوات الماضية كانوا يشعرون بالحسد تجاه أهالي زحلة لما يتميزون به من زينة واحتفالات، أما اليوم فقد بات سكان زحلة أنفسهم يُقبلون على مشاهدة الزينة والاحتفالات في شتورة بإعجاب. 
 ويرى أنّ هذا العيد يجب أن يكون فرصة لتوحيد القلوب، لاسيّما في شتورة، البلدة المختلطة التي تحتضن الجميع بروح من المحبة والتآخي.
 وتحت الأضواء المتلألئة، وفي الساحة المفعمة بالحياة، استعاد أهالي البلدة إحساسهم بالدفء والانتماء، وكأنّ البلدة ولدت من جديد فترسل شتورة رسالة إلى المناطق اللّبنانية كافةً أنّ المدن، كما البشر، قادرة على النهوض من كبوتها متى اختارت الحياة.


IMG_4173.jpeg 194.89 KB
 

اقرأ المزيد من كتابات كارين القسيس